المركز الأكاديمي | |
للمؤتمرات والنشر العلمي |
الشكلانية بالمجتمع العربي
لاشك أنَّ كثرة المصطلحات التي
يُطلقها المتخصصون في مجالات المعرفة الإنسانية تُحدث العديد من اللبس والغموض لدى
البعض، أو تُثير الهمّة في التعرف على مضمونها، ومحاولة الربط بينها وبين المفاهيم
والمصطلحات ذات الصلة، وقد جذبني مصطلح " الشكلانية " والذى ورد في عبارة نصها" تفشي ظاهرة الشكلانية في المجتمع
العربي" تلك العبارة التي تحمل الكثير من الغموض الذي يدفع القارئ للوقوف
لديها محاولًا تدبرها؛ لينطلق في قراءة المقال طلبًا للإيضاح لمضمون المصطلح الذي
أطلقه الكاتب الجزائري "إبراهيم مشارة" بمقاله المعنون بـــــ
"هموم تربوية وأكاديمية عربية" الذي نُشر بمركز نقد وتنوير للدراسات
الإنسانية، هذا الكاتب المشهود له بالفكر التنويري بكتاباته المتنوعة ودراسات
وأبحاث علمية ومقالات في مجالات الفكر العربي والسياسي .وبالقراءة المتأنية للمقال تمنحنا رؤية الكاتب ومهارته في الربط بين
تلك الشكلانية وهمومنا العربية والأكاديمية التي نُعاني منها نتيجة الانخداع
بالشكل والسطحية والكلمة الجذابة دون البحث في المضمون ولا أكاد اجزم حتى في
علاقتنا الإنسانية، فقد صرنا مجتمع ينبهر بما يقدم له دون التفكير في محتوى
المضمون وتحليله، لتكون الاستفادة أعم وأشمل للجميع، مؤكدًا أن العامل السياسي كان
له من التأثير السلبي في تكريس تلك الصورة لدينا ضاربًا العديد من الأمثلة التي
وجدتُ نفسي أعاني منها في عصرنا الحالي ، ومنها الاستبداد الفكري والسياسي
والمعرفي والعلمي، وعدم قبول البعض للاختلاف، وكأنه معصوم من الخطأ ، بالإضافة إلى
التفاوت الطبقي الناتج عن الاهتمام بالماديات وشيوع الثقافة الفردية والمادية ،
وانتشار ثقافة الاستهلاك بالمجتمع، تلك الثقافة التي دفعت العديد من أفراده
للاهتمام بالكم دون الكيف، والتي أرجعها الكاتب للنمو السكاني الذى ترتب عليه
زيادة في مؤسسات تعليمية لاستيعابها موضحًا بأنها نتيجة غياب التخطيط في الإنجاب
وخضوعه للمصادفة، لتتحمل الدولة ضغوطًا لتوفير المنشآت التعليمية، وبذلك أضاف
الزيادة السكانية سببًا رئيسًا في تردي التعليم بدول كثيرة مثل: الجزائر ومصر،
مؤكدًا أن التعليم بدول الخليج ذات الوفرة المادية والكثافة السكانية المنخفضة
كانت سببًا في احتلالها المقدمة لتقرير مؤشر "دافسو" للجودة 2019م، وقد
لفت انتباهي أن هذه الدول مازالت كماهي لم يتحرك ساكن لها.
كما أوضح سببًا أخر لتفوقها وهو الارتباط الوثيق ببعض معاهد وجامعات الغرب، وربما يصدق الأمر على التخصصات العلمية البحتة والتقنية أكثر مما يصدق على الفلسفة والعلوم الإنسانية. وهذا ما أجده إلا ترسيخًا لمفهوم الشكلانية بالتعليم تلك القراءة جعلتني استمر في محاولة حصر نقاط تضمنها المقال، وتحتاج العديد من الدراسات والبحوث من قبل المتخصصين والباحثين في مجال المعرفة، وتسعى الجامعات ومراكزها العلمية المتخصصة الوقوف عندها، وتقديم رؤيتها للتغلب عليها، والعمل على الارتقاء بواقعنا التربوي والعلمي والأكاديمي، ومنها: -
1- ظاهرة الاستقطاب للكفاءات العلمية والفكرية من عموم الدول العربية، وهو في الواقع نزيف لما يقدمه الغرب من تشجيع، ودعم مادي ومعنوي وتحفيز وحرية، والتي وجدت خلاله الكرامة والحرية، وسُبل الإبداع، وهو ما تفتقده في وطنها الأصلي.
2- التناقض بين رؤى أصحاب الكلمة فكاتب رفض جائزة عربية ممنوحة باسم حاكم عربي، لكونه غير منتخب، وكُتاب وأكاديميون كبار أعضاء اللجنة المانحة للجائزة يجعلنا نقف أما سؤال طرحه، أين الخلل؟ تلك الصدمة الثقافية التي أكدت أن شرف الكلمة عظيم.
3- شيوع الثقافة الاستعراضية التي جعلت السطحية و الوجاهة التي نراها في فهم العربي للثقافة بكونه يحمل ألقابًا وشهادات علمية ومناصب قيادية، جعل منها مصدر لكسب العيش فقط، لتصبح المؤسسات الجامعية مجرد مصدر لتردي الابداع ، والمؤسف أن نجد الغضب من البعض إن ذكر اسمه مجردًا من لقبه العلمي، وإن كنت أرى أنها شخصيات خاوية علميًا وفكريًا تلك الشخصيات التي قامت بجمع أطروحاتها دون فهم أو إتقان لمعنى الكلمة، وموضوعية العلم، والعجب العجاب أصحاب فكر دون المستوى، لكن ظاهرة سيكتب لها الاندثار، ولن يكون للمزور والسارق فكر باقي.
أما عن ظاهرة المؤتمرات العلمية التى صارت للتربح المادي، وليس انتاجًا فكريًا يُسهم في تحقيق رؤية تهتم بنهضة تربوية لواقع صار مؤلمًا، ظاهرة تحتاج إلى مراجعة من قبل القائمين على الإنتاج العلمي.
وقد ساقنا الكاتب برؤيته الرائعة لواقعنا المؤلم عندما طرح استفسارًا في ختام مقالة قائلًا" لو طلبنا إحصائيات عربية عن عدد حاملي الشهادات التي تسمى عليا..." هذه العبارة جعلتني أتذكر بدايتي عند إجراء دراسة الماجستير الخاصة بي الموسومة بـــــ " معايير الكفاءة لخريجي الدراسات العليا التربوية" في عام 2008م، وقمت بحصر الحاصلين على الدرجات العلمية (ماجستير ودكتوراه) ومعرفة معدلات الانفاق والاستفادة العلمية من حصولهم على الدرجات ومردودها الفكري والتربوي على واقع مؤسساتنا التعليمية والعلمية، لكن ... تحتاج الكثير والكثير .
وأخيرًا: الأمل معقود
على القادم من ثروة بشرية نأمل في قدرتها على تحقيق واقع ومستقبل أفضل لعالمنا
العربي.
كاتب المقالة - د. محمد فكري
فتحي صادق
عضو هيئة تدريس بمعهد الحرمين لتعليم القرآن الكريم والسنة بموريتانيا
أستاذ مساعد بقسم العلوم التربوية بالجامعة الإسلامية بمنيسوتا الأمريكية