المركز الأكاديمي | |
للمؤتمرات والنشر العلمي |
حقيقة الأرقام
منذ أن بدأنا نخط الأرقام للتعبير عن
الأعداد , كنا نظن أنّنا نكتب بأرقام عربية , إلا أنّ هذا الظن ذهب أدراج الرياح
فور معرفتنا بحقيقة ما نستعمله من أرقام , فما نستعمله اليوم من أرقام هي أرقام
هندية وليست عربية , فقد كان العرب يستعملون الحروف للتعبير عن الأعداد ، فهم لم
يهتدوا بعد للأرقام , وقد وصلتْ إلينا الأرقام الهندية في زمن الخليفة
العباسي أبو جعفر المنصور عن طريق وافد فلكي هندي، ومعه كتاب مشهور
في الفلك والرياضيات هو "سدهانتا" لمؤلفه براهما جوبتا، الذي استخدم فيه
الأرقام التسعة : ١ ٢ ٣ ٤ ٥ ٦ ٧ ٨ ٩ قبل أن يضيف العرب بعد ذلك الصفر.
وقد أعجب الخليفة المنصور بطريقة الهنود في
التعبير عن الأرقام، وأمر بترجمة الكتاب إلى اللغة العربية، وأن يؤلف كتاب على
نهجه يشرح للعرب سير الكواكب، ومن هنا وصلت الأرقام الهندية إلى
العرب واعتمدوها في حساباتهم الرياضية إلى وقتنا الحاضر.
أما الأرقام العربية فقد قام الخوارزمي
بتصميمها، لكنها لم تحظَ بانتشار واسع في المشرق العربي، بقدر الاستحسان الذي
لاقته في الأندلس والمغرب العربي، ومن هناك انتشرت إلى أوروبا، ثم انتشرت في أنحاء
العالم كله، وهي على الشكل الآتي: 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9.
وتُعرف "الأرقام العربية" كذلك بـ
“الأرقام الغُبَارِيَة" وسميت كذلك؛ لأنها كانت تُكتب في بادئ الأمر بالإصبع
أو بقلم من البوص على لوحٍ أو منضدةٍ مغطاة بطبقة رقيقة من التراب، وقد صمم
الخوارزمي تلكم الأرقام على أساس عدد الزوايا (الحادة أو القائمة) التي يضمها كل رقم،
فالرقم واحد يتضمن زاوية واحدة، ورقم اثنين يتضمن زاويتين، والرقم ثلاثة يتضمن
ثلاث زوايا وهكذا، كما موضح بالشكل الآتي:
وقد انتقلت الأرقام العربية إلى أوربا عن طريق البابا سلفستر الثاني
الذي كان يدرس بجامعة القرويين في مدينة فاس بالمغرب، وهو البابا الوحيد الذي تعلم
العربية، وأتقن العلوم عند العرب، وإليه يرجع الفضل في إدخال المعارف العربية مثل
الحساب، الرياضيات، والفلك إلى أوروبا، وقد سهلت الأرقام العربية الحسابات
الرياضية على الغرب بعد أن كانوا يستعملون الأرقام الرومانية/اللاتينية التي
لا تساعد على إنجاز أبسط العمليات الحسابية، فكانت الأرقام العربية بديلاً مناسباً
وسهلاً.
وممّا تقدم يتبين لنا جليا أن ما نعتمده
اليوم من أرقام هي أرقام وافدة إلينا من بلاد الهند، في حين أنّ أرقامنا العربية
قد صُدّرت إلى بلاد الغرب ومازالت معتمدة لديهم.
كاتب المقالة:
د. رشا سعود عبد العالي / جامعة الكوفة /
العراق