الرجاء الانتظار


المركز الأكاديمي
للمؤتمرات والنشر العلمي

Articles Details

المُنَافَحَةُ عن النبيّ واجبٌ دينيّ

بَادِئَ بَدِىءٍ فإنَّ المؤمنَ الحقَّ يكتملُ إيمانُه بمحبَّةِ النبيِّ –صلى الله عليه وسلم– قال تعالى –على لسان نبيه– صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾، (آل عمران: 31)، ويتمُّ إيمانه بتقديم محبَّةِ رسولِ اللهِ –صلى الله عليه وسلم– على نفسه وأهله والناس جميعًا، قال رسولنا الكريم –صلى الله عليه وسلم: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ". (أخرجه البخاريّ ومسلم في صحيحيهما).

والصحابةُ –رضي الله عنهم– كانوا يبطنون محبَّة النبي –صلى الله عليه وسلم– ويظهرونها، ومِن الأشهاد على ذلك: ما فعله الصحابيُّ سَوَاد بن غَزِيَّة الأنصاريّ –رضي الله عنه– حيث كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم– يعدِّل الصفوف يوم بدرٍ، وفي يده قِدْح (رُمْح أو عود من الشجر أو الخشب) يعدِّل به القوم، فمرَّ بسَوَاد بن غَزِيَّة حليف بني عديّ بن النجار، وهو مستنتل مِن الصف (متقدِّم عنه مما جعله غير مستوٍ)، فطعنه رسول الله –صلى الله عليه وسلم– بالقِدْح في بطنه، وقال: "استوِ يا سَوَاد"، فقال: يا رسول الله أوجعتني، وقد بعثك الله بالحقِّ، فأقدني (مكنِّي أن اقتصَّ منك)، فكشفَ رسولُ الله –صلى الله عليه وسلم– عن بطنه، وقال: "استقدِ" (اقتصَّ مِنِّي)!!! فاعتنقه سواد وقبَّلَ بطنَه، فقال النبيُّ –صلى الله عليه وسلم: "ما حملك على هذا يا سَوَاد؟". فقال سواد: يا رسول الله! حضر ما ترى ولم آمن القتل (أي جئت مجاهدًا في سبيل الله لا أخاف شيئًا)، فإني أحب أن أكون آخر العهد بك، وأن يمسَّ جلدي جلدك، فدعا له رسول الله –صلى الله عليه وسلم– بخيرٍ. ]ابن سعد، الطبقات الكبرى: جـ2 ص516، 517– وابن الأثير، أسد الغابة في معرفة الصحابة: جـ2 ص374، 375– وابن حجر العسقلانيّ، الإصابة في تمييز الصحابة: جـ4 ص292، 293، رقم: (3575)[.

فالنبيُّ –صلى الله عليه وسلم– له علينا حقوق لابد أن نقوم بها، ومنها أن ندافع عنه إذا علمنا الإساءة إليه، فقد قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ المُسْلِمِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ –عَزَّ وَجَلَّ– أَنْ يَرُدَّ عَنْهُ نَارَ جَهَنَّمَ"، (أخرجه أحمد في مسنده، والترمذي في سننه، وقال: حديث حسن)، فإذا كان هذا بشأن أي إنسان فكيف بشأن رسول الله –صلى الله عليه وسلم.

ولا مشاحَّةَ أنَّ الله تعالى أَوَّلُ مَنْ تعهَّد بالدِّفاع عن النبيِّ –صلى الله عليه وسلم– فقال سبحانه: ﴿ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ  ﴾. (المائدة: 67).

فاللهُ تعالى تكفَّلَ بالنبيِّ –صلى الله عليه وسلم– ودافعَ عنه ووقفَ معه وأيَّدَه ونصرَه، فقال جلَّ وعلا: ﴿ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ﴾. (الحجر: 95).

بل توعَّدَ اللهُ تعالى كلَّ مَنْ حاربَ النبيَّ –صلى الله عليه وسلم– فقال جلَّ جلاله: ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ   الْأَبْتَرُ ﴾. (الكوثر: 3).

ولقد انتفضَ الصحابةُ والتابعون وأتباع التابعين –رضي الله عنهم أجمعين– للدِّفاع عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم– ومما يدلُّ على ذلك: ما رواه ابن عباس –رضي الله عنهما: أنّ أعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمّ وَلَدٍ تَشْتِمُ النّبيّ –صلى الله عليه وسلم– وَتَقَعُ فِيهِ، فَيَنْهَاهَا فَلا تَنْتَهِي، وَيَزْجُرُهَا فَلاَ تَنْزَجِرُ، قالَ: فَلَمّا كَانَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ، جَعَلَتْ تَقَعُ فِي النّبيّ –صلى الله عليه وسلم– وَتَشْتِمُهُ، فَأَخَذَ المِغْوَلَ (سَوْطٌ في باطنه سِنانٌ دقيقٌ أو سيفٌ دقيقٌ حادٌّ) فَوَضَعَهُ فِي بَطْنِهَا، وَاتّكَأَ عَلَيْهَا فَقَتَلَهَا، فَوَقَعَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا طِفْلٌ، فَلَطَخَتْ مَا هُنَاكَ بِالدّمِ، فَلَمّا أصْبَحَ ذُكِرَ ذَلِكَ لِلنّبيّ –صلى الله عليه وسلم– فَجَمَعَ النّاسَ فَقَالَ: أنْشُدُ الله رَجُلًا فَعَل مَا فَعَلَ لِي عَلَيْهِ حَقّ، إلاّ قامَ، قالَ: فَقَامَ الأعْمَى يَتَخَطّى النّاسَ، وَهُوَ يَتَزَلْزَلُ حَتّى قَعَدَ بَيْنَ يَدَيِ النّبيّ –صلى الله عليه وسلم– فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله! أنَا صَاحِبُهَا، كَانَتْ تَشْتِمُكَ، وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَنْهَاها فَلاَ تَنْتَهِي، وَأَزْجُرُهَا فَلاَ تَنْزَجِرُ، وَلِي مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلَ اللّؤْلُؤَتَيْنِ، وَكَانَتْ بِي رَفِيقَةً، فَلَمّا كَانَ الْبَارِحَةَ، جَعَلَتْ تَشْتِمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَخَذْتُ المِغْوَلَ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا، وَاتّكَأْتُ عَلَيْهَا حَتّى قَتَلْتُهَا، فَقَالَ النّبيّ –صلى الله عليه وسلم: "ألاَ اشْهَدُوا إنّ دَمَهَا هَدْرٌ". (أخرجه أبو داود وصحَّحه الألبانيّ).

ولم يكن الدِّفاعُ عن النبيِّ –صلى الله عليه وسلم– مقتصرًا على جنس البشر فقط، وإنما تعدَّاه إلى الكائنات الأخرى، فها هو كلبٌ ينتفضُ للدِّفاع عن النبيِّ –صلى الله عليه وسلم:

قال الإمام الذهبيّ –رحمه الله– في معجمه للشيوخ:

"حدّثنا الزين علي بن مرزوق بحضرة شيخنا تقيّ الدِّين المنصاتيّ: سمعتُ الشيخ جمال الدِّين إبراهيم بن محمد الطيبيّ بن الواصليّ يقول في ملإٍ مِن الناس:

حضرتُ عند سونجق –خزندار هولاكو وأبغا– وكان ممّن تنصَّر من المُغُل، وذلك في دولة أبغا في أوّلها، وكنّا في مخيمه وعنده جماعة من أمراء المُغُل وجماعة من كبار النصارى في يوم ثلجٍ، فقال نصرانيٌّ كبيرٌ لعينٌ: أيّ شيء كان محمد –يعني نبيّنا– صلى الله عليه وسلم– كان داعيًا وقام في ناسٍ عربٍ جياعٍ، فبقي يعطيهم المال ويزهد فيه فيربطهم. وأخذ يُبالغ في تنقُّصِ الرسول، وهناك كلبُ صيدٍ عزيزٍ على سونجق في سلسلة ذهب، فنهض الكلبُ وقلع السلسلة ووثب على ذاك النصرانيّ فخشمه وأدماه، فقاموا إليه وكفّوه عنه وسلسلوه، فقال بعضُ الحاضرين: هذا لكلامك في محمدٍ (صلى الله عليه وسلم).

فقال: أتظنّون أنَّ هذا مِن أجل كلامي في محمدٍ؟ لا!!! ولكن هذا كلبٌ عزيزُ النفسِ رآني أشير بيدي فظَنَّ أنّي أريد ضربه فوثب.

ثم أخذ أيضًا يتنقَّص النبيّ –صلى الله عليه وسلم– ويزيد في ذلك، فوثب إليه الكلب ثانيًا وقطع السلسلة وافترسه –والله العظيم– وأنا أنظر! ثم عَضَّ على زَرْدَمَتِهِ (حَلْقِهِ) فاقتلعها فمات الملعون، وأسلم بسبب هذه الواقعة العظيمة مِن المُغُل نحوٌ مِن أربعين ألفًا، واشتهرت الواقعة". [الذهبي، معجم الشيوخ: ص387. ونقل هذه الواقعة وأَكَّدَ عليها ابن حجر العسقلانيّ –رحمه الله– في كتابه النفيس (الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة): ج3 ص113].

فالتاريخُ خيرُ شاهدٍ بِعِبَرِهِ وأحداثهِ على ما حدث لكلِّ مَنْ سوَّلت له نفسه بمعاداة النبيِّ –صلى الله عليه وسلم– والاستهزاء به، فلقد أهلكهم الله جميعًا وأذلَّهم وخذلهم.

فلننظر إلى عقاب الله تعالى للمستهزئين بالنبي –صلى الله عليه وسلم– وكيف سلَّط الله سبحانه عليهم جبريل –عليه السلام– حتى قتل كلَّ واحدٍ منهم بآفةٍ، وكفى نبيه –صلى الله عليه وسلم– شرَّهم، وقد كانوا ذوي أسنانٍ وشرفٍ في قومهم، وهذا غَيْضٌ مِن فَيْضٍ.

فعن عبد الله بن عباس –رضي الله عنهما– في قوله تعالى: ﴿ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ﴾ قال: المُسْتَهْزِئُونَ: الوليدُ بنُ المُغيرةِ، والأسودُ بنُ عبدِ يغُوثَ، والأسودُ بنُ المُطَّلبِ أبو زَمْعةَ مِن بني أسدِ بنِ عبدِ العُزَّى، والحارثُ بنُ غَيْطلٍ السَّهميُّ، والعاصِ بنُ وائلٍ السَّهميُّ، فأتاه جِبريلُ –عليه السَّلامُ– فشكاهم إليه رسولُ اللهِ –صلَّى اللهُ عليه وسلَّم– فأراه أبا عمرٍو الوليدَ بنَ المُغيرةِ فأومَأ جِبريلُ إلى أَبْجَلِه ( أَكْحَلِهِ)، فقال: ما صنَعْتَ شيئًا، فقال: كفَيْتُكَه، ثمَّ أراه الحارثَ بنَ غَيْطَلٍ السَّهميَّ، فأومَأ إلى بَطْنِه، فقال: ما صنَعْتَ شيئًا، فقال: كفَيْتُكَه، ثمَّ أراه العاصِ بنَ وائلٍ السَّهميَّ، فأومَأ إلى أخْمَصِه (باطن قدمه)، فقال: ما صنَعْتَ شيئًا، فقال: كفَيْتُكه... فأمَّا الوليدُ بنُ المُغيرةِ فمرَّ برجُلٍ مِن خُزاعةَ وهو يَريشُ نَبْلًا له (أي يلصق في السهم الريش؛ لكي ينطلق بطريقة لا ميل فيها)، فأصاب أَبْجَلَه فقطَعها، وأمَّا الأسودُ بنُ المُطَّلبِ فعَمِي، فمنهم مَن يقولُ عَمِي كذا، ومنهم مَن يقولُ: نزَل تحتَ شجَرةٍ، فجعَل يقولُ: يا بَنيَّ لا تدفَعونَ عنِّي قد هلَكْتُ أُطعَنُ بشَوكٍ في عيني، فجعَلوا يقولونَ: ما نرى شيئًا، فلَمْ يزَلْ كذلكَ حتَّى عمِيَتْ عيناه، وأمَّا الأسودُ بنُ عبدِ يغُوثَ فخرَج في رأسِه قُروحٌ فمات منها، وأمَّا الحارثُ بنُ غَيْطَلٍ فأخَذه الماءُ الأصفَرُ في بَطْنِه حتَّى خرَج خَرْؤُه مِن فِيهِ فمات منها، وأمَّا العاصِ بنُ وائلٍ فبَيْنَما هو كذلكَ يومًا حتَّى دخَل في رِجْلِه شِبْرِقةٌ (جِنْسٌ مِن الشَّوْكِ) حتَّى امتلَأَتْ منها فمات. (أخرجه الطبرانيّ في معجمه الأوسط، والبيهقيّ في دلائل النبوة. وانظر أيضًا ما نقله ابن إسحاق وابن هشام في السيرة النبويَّة عن هؤلاء الخمسة المستهزئين).

فلكي نحقِّقَ المنهجَ القرآنيَّ والنبويَّ لابد أن نقدِّمَ محبَّتَنا للنبيِّ –صلى الله عليه وسلم– وأن ندافعَ عنه، وأن نردَّ الإساءات والشبهات التي تروّج ضده، وأن ندفعَ الدسائس التي تُحاك حوله، وأن ننصرَه على مَنْ عاداه.

وخلاصةُ القَوْل، بلا عَوْل: إنَّ نصرتَنا للنبيِّ –صلى الله عليه وسلم– ودفاعَنا عنه مِن المقاصد المطلوبة في الشريعة الإسلاميَّة، ولنا أن نحقِّقَها بالوسائل الشرعيَّة المختلفة –كل في مجاله– طالما أردنا هذا المقصد النبيل، فوسيلته نبيلة أيضًا، أو كما قال الإمام العزّ بن عبد السلام –رحمه الله: "فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل" (العز بن عبد السلام، قواعد الأحكام في مصالح الأنام: جـ1 ص46)، ولا يوجد مقصد أفضل مِن الدِّفاع عن رسولِ اللهِ –صلى الله عليه وسلم.

فَلْنَزْمَع إلى الذَّوْدِ عن النبيِّ –صلى الله عليه وسلم– وَلْنَنْبُو عن كلِّ ما يسيء إليه، ففعلُنا هذا برهانٌ قاطعٌ على محبَّتِنا للنبيِّ –صلى الله عليه وسلم– ومحبَّته دواءٌ ناجِعٌ لا صَنْوَ لَهُ .


كاتب المقال: د. سامح مصطفى العشماوي







المُنظِمون و الرُعاة

اضغط هنا للانضمام الى رعاة المركز الأكاديمي للمؤتمرات والنشر العلمي


Scientific Institute Advanced Training and Studies Asian Scientific Research and Development Forum OPEI جامعة القرآن الكريم وتاصيل العلوم ود مدني الجزيرة university of tikeit مركز البحوث والدراسات الاسلامية الجامعة العراقية بغداد كلية التربية للبنات الجامعة العراقية مركز البحوث الهندسية وتقنية المعلومات The University of Tobruk مركز البحوث والدراسات العلمية جامعة واسط جامعة النجم الساطع - ليبيا الجامعة الأمريكية العالمية بالصومال Us interglobal university جامعة سليمان الدولية

إحصائيات الموقع


82
عدد المؤتمرات
61
عدد الدورات التدريبية
19
عدد الورش الدولية
25786
جميع المشاركين
333153
عدد الزوار